يعمل الملاحدة والماديون وأذنابهم في خطط خبيثة ماكرة على هدم صرح الأخلاق، من خلال دعوى أنَّ الأخلاق أمور إعتبارية نسبية لا ثبات لها، تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، ومن أمة إلى أمة.
فالذي يعتبر منافيًا للأخلاق عند شعب من الشعوب، لا يعتبر منافيًا للأخلاق عند شعب آخر، وبعض ما كان مستنكرًا فيما مضى قد يعتبر مستحسنًا في عصر آخر، فالأخلاق عند هؤلاء مفاهيم إعتبارية تتواضع عليها الأمم والشعوب، وليس لها ثبات في حقيقتها.
وإنَّ أسباب الغلط أو المغالطة عند أصحاب فكرة نسبية الأخلاق، ترجع إلى ثلاثة:
= الأول: تعميمهم إسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الإجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدنية أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى ذلك بهم إلى الخطأ الأكبر، وهو حكمهم على الأخلاق بأنها أمور إعتبارية نسبية.
= الثاني: أنهم جعلوا مفاهيم الناس عن الأخلاق مصدرًا يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، مع أنَّ في كثير من هذه المفاهيم أخطاء فادحة، وفسادًا كبيرًا، يرجع إلى تحكم الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد فيها، ويرجع أيضًا إلى أمور أخرى غير ذلك، والتحري العلمي يطلب من الباحثين أن يتتبعوا جوهر الحقيقة، حيث توجد الحقيقة، لا أن يحكموا عليها من خلال وجهة نظر الناس إليها، فكل الحقائق عرضة لأن يثبتها مثبتون، وينكرها منكرون، ويتشكك بها متشككون، ويتلاعب فيها متلاعبون، ومع ذلك تبقى على ثباتها، لا تؤثر عليها آراء الناس فيها.
= الثالث: إعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق.
أما مفاهيم الإسلام فإنها... قد ميزت الأخلاق عما سواها، وميزت السلوك الأخلاقي عن سائر أنواع السلوك الإنساني، فلم تعمم تعميمًا فاسدًا، ولم تدخل في مفردات الأخلاق ما ليس منها، وهي أيضًا لم تعتمد على مفاهيم الناس المختلفة، ولم تتخذها مصدرًا يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، وأما العقل والضمير فإنها لم تهملهما وإنما قرنتهما بعاصم يردهما إلى الصواب كلما أخطأ سبيل الحق والهداية والرشاد، وهذا العاصم هو الوحي الذي نزل بدين الله لعباده، وشرائعه لخلقه، وتعاليمه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، لأنهَّا تنزيل من عزيز حكيم، وقد بلغها رسله.
أما صورتها المثلى المحفوظة من التغيير فهي ما ثبت في نصوص الشريعة الإسلامية، المنزلة على رسول الله محمد صلوات الله وسلاماته عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
فمن تبصَّر بالأصول العامة للأخلاق في المفاهيم الإسلامية، وتبصر بأنَّ الأخلاق الإسلامية مقترنة بالوصايا والأوامر والنواهي الربانية، وتبصر بأنَّ هذه الوصايا والأوامر والنواهي محفوفة بقانون الجزاء الإلهي بالثواب العقاب، فإنَّه لابد أن يظهر له بجلاء أنَّ الأخلاق الإسلامية هي حقائق في ذاتها، وهي ثابتة مادام نظام الكون ونظام الحياة ونظام الخير والشر أمورًا مستمرة ثابتة، وهي ضمن المفاهيم الإسلامية الصحيحة غير قابلة للتغير ولا للتبدل من شعب إلى شعب، ولا من زمان إلى زمان.
أما الأمة الإسلامية فهي أمة واحدة، وهي لا تتواضع فيما بينها على مفاهيم تخالف المفاهيم التي بينها الإسلام، والتي أوضحها في شرائعه ووصاياه.
وإذا رجعنا إلى مفردات الأخلاق الإسلامية وجدنا أنَّ كلَّ واحدة منها -ضمن شروطها وقيودها وضوابطها- ذات حقيقة ثابتة، وهي غير قابلة في المنطق السليم للتحول من حسن إلى قبيح، أو من قبيح إلى حسن.
إنَّ حسنها حسن في كلِّ زمان، وقبيحها قبيح في كلِّ زمان، ولا يؤثر على حقيقتها أن تتواضع بعض الأمم على تقبيح الحسن منها، أو تحسين القبيح، تأثرًا بالأهواء، أو بالشهوات، أو بالتقاليد العمياء.
إنَّ الإسلام يقرر أنَّ حبَّ الحقِّ وكراهية الباطل فضيلة خلقية، ويقرر أنَّ كراهية الحقِّ وحبَّ الباطل رذيلة خلقية، فهل يشكُّ أحد سويٌّ عاقل في أنَّ هذه الحقيقة حقيقة ثابتة غير قابلة للتحول ولا للتغير، وإن تواضع على خلافها جماعة ذات أهواء؟! وهكذا سائر الأمثلة الأخلاقية الإسلامية.
المصدر: موقع إسلام ويب.